آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 9

النميطات
لكل نمط من الأنماط الرئيسة الثلاثة(الصورية، والسمعية، والحسية) خصائص، وصفات، ومزايا. فالنمط الصوري هو رؤية صورة من الذاكرة، أو صورة يتم إنشاؤها في الذهن. ولكن لهذه الصورة حجم، وإطار، ووضوح، وإضاءة. وقد تكون ملونة، أو غير ملونة. وقد يكون إطارها دائرياً، أو مربعاً، أو مستطيلاً، أو تكون بلا إطار. وقد تكون واضحة، أو غير واضحة. كل هذه التفاصيل الدقيقة تسمى النميطات Submodalities (النميطات جمع نميط وهو تصغير نمط).
وللنمط الصوتي نميطات: كشدة الصوت، ودرجة الصوت، والإيقاع، والنغمة، .... الخ، وكذلك للنمط الحسي نميطات خاصة به: درجة الحرارة أو البرودة، درجة الخشونة أو النعومة، مقدار الصلابة أو الليونة، مقدار الوزن، شدة الألم.
تذكر موقفاً أو حدثاً مفرحاً. تخيل صورة ذلك الحدث بتفاصيله قدر الإمكان. كيف ترى الصورة في ذهنك؟ هل هي مضيئة أم معتمة؟ هل هي قريبة منك أم بعيد؟ حاول أن تقرب الصورة إليك. ارفع درجة إضاءتها. كيف تشعر الآن؟ قد تكون أكثر انشراحاً. والآن أبعد الصورة عنك وقلل إضاءتها حتى تصبح معتمة أو مظلمة. لاحظ كيف يؤثر ذلك في شعورك. قد تكون أقل انشراحا. أي أن تغيير النميط يغير استجابتك، أي يزيد شعورك بالصورة، أو يقل، تبعاً لوضوح الصورة، أو حجمها، أو زاوية النظر إليها...إلخ. لاحظ أن استجابتك للنميطات ليست متساوية. فهناك نميطات تستجيب لها أكثر من غيرها.
وللنمط السمعي نميطات أيضاً. تخيل نفسك تتحدث إلى مجموعة من الناس. ارفع شدة (حجم) صوتك وكأنك تهز منصة الخطابة هزا، ثم اخفض صوتك كأنك تكلم شخصاً قريباً منك. أسرع في كلامك، ثم ابطئ به. يكون الصوت ذا درجة عالية، أي صوت ناعم كصوت المرأة؛ أو درجة منخفضة، أي صوت خشن كصوت الرجل (الشكل التالي يوضح الفرق بين شدة الصوت ودرجة الصوت).
موجتان مختلفتان في الشدة
موجتان مختلفتان في الدرجة
والنمط الحسي له نميطات، كأن تتخيل نفسك تحمل ثقلاً، فتزيد من وزنه، ثم تنقص منه. ومن النميطات الحسية، مثلاً، مقدار حرارة الجو وبرودته؛ وخشونة المقعد الذي تجلس عليه، ونعومته؛ ومقدار شدة الألم أو اللذة، والطعم، والرائحة؛ والمشاعر والأحاسيس المختلفة. وقد يكون لكل من هذه المشاعر والأحاسيس موقع في الرأس، أو الصدر، أو البطن. وقد يكون لها حجم، وشكل وصلابة، ومرونة، ووزن، وملمس....إلخ.
النميطات الحرجة
لكل واحد منا نميطات مفضلة يكون تأثيرها في استجابته أكثر من غيرها. هذه النميطات ذات التأثير الأكبر ندعوها النميطات الحرجة Critical Submodalities فهناك من يستجيب لتغيير حجم الصورة أكثر من استجابته لتغيير زاوية النظر إليها، فيكون نميط الحجم نميطاً حرجاً بالنسبة له. وغالباً ما يؤدي تغيير النميط الحرج إلى تغيير النمط بكامله، فيكون في هذه الحالة مفتاحاً لتغيير الحالة الذهنية تغيير كاملاً، وبالتالي تغيير السلوك أو المشاعر.
إن استنباط النميطات لجليس أسهل من استنباطها لنفسك. لذا يكون من الأفضل التعرف على النميطات الحرجة لصديق يجلس معك بالطلب إليه أن يستحضر في ذهنه حادثه أو تجربة سبق له أن عاشها ( يستحسن أن تكون تجربة سارة ) . ثم تسأله أن يدخل في النمط الصوري، فيتصور الحادثة، ثم تبدأ تسأله عن النميطات المختلفة ( انظر قائمة النميطات ) وهو يجيبك بدوره، فتدون ملاحظاتك عن النميطات الحرجة له. ثم تنتقل إلى النمط الصوتي فتفعل الشيء نفسه، ثم النمط الحسي. وبعد ذلك تتبادلان الأدوار. فيقوم هو بتوجيه الأسئلة إليك، وبدون ملاحظاته.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذه التجارب لا تقتضي معرفة مضمون الحادثة أو التجربة، إذ لا حاجة لذكرها.
بعد معرفتك للنميطات الحرجة لك، يمكنك تجربة ذلك مع نفسك بأن تجلس في مكان هادئ، وربما تحتاج إلى إغماض عينيك، وتدخل في النمط الصوري، وتغيير نميطاته. وسترى أن أحاسيسك ومشاعرك تتغير بتغير النميطات. فإذا كان ما تتخيله تجربة مفرحة، فستجد أن شعورك بالفرح يزداد إذا زادت حجم الصورة، أو زادت إضاءتها، ويقل إذا صغر حجمها، أو أبعدتها عنك. وقد تجد صعوبة في بداية الأمر في تغيير النميطات. ولكن يمكنك التدرب تدريجياً على التحكم بها. إن مقدرتك على تغيير النميطات يزيد من مقدار انتفاعك من الوسائل والأساليب التي ستجدها في هذا الكتاب.
إشارات الوصول العينية
ترتبط الأنماط الداخلية الستة بمناطق معينة من دماغ الإنسان. وعندما يدخل الإنسان في واحد من هذه الأنماط تتحرك عيناه باتجاه معين للوصول إلى منطقة الدماغ التي يكون فيها ذلك النمط، وعندما ينتقل ذهن الإنسان إلى نمط آخر من تلك الأنماط الستة تتحرك عيناه باتجاه لآخر.... وهكذا لكل نمط اتجاه لحركة العينين نسميها إشارات الوصول العينية Eye Accessing Cues. وفيما يلي بيان باتجاه حركة العينين لكل نمط من الأنماط الستة( الحركة هي حركة عينيك، والاتجاه بالنسبة لك):
ويوضح الشكل التالي اتجاه حركة العينين للأنماط الستة:
إشارات الوصول العينية
إشارات العيون مترجمات لما تطوى القلوب على القلوب
إن أكثرية الناس تنطبق عليهم هذه الاتجاهات لعيونهم عندما يكون في ذهن الواحد منهم أحد الأنماط الستة. وهناك حالات تكون الاتجاهات فيها معكوسة، وهي الحالات التي يكون عليها العسر( جمع أعسر)، أي اللذين يكتبون باليد الشمال. وهناك عرق واحد ( لا يعرف غيره لحد الآن ) تكون حركة عيونهم معاكسة لحركة عيون الأغلبية من الناس، وهم قوم (الباسك) في شمال أسبانيا، ولا أحد يعرف سبب ذلك.
التعرف على إشارات الوصول العينية
يمكنك إجراء التجربة التالية مع أحد أفراد عائلتك، أو صديق لك:
اجلس أمام الصديق وجها لوجه، وقل له: إنك تريد إجراء هذه التجربة البسيطة. وهي عبارة عن أسئلة بسيطة يجيب عليها. الأسئلة متنوعة، وهي على شكل مجموعات. كل مجموعة تثير لدى الصديق نمطاً من الأنماط الستة التي ذكرناها. لا حظ اتجاه حركة العينين لكل سؤال.
* أسئلة لنمط الصور الداخلية من الذاكرة ـ ص د:
* ماهو لون سيارة مدير المدرسة؟
* كم شباكاً في الدار التي تسكنها؟
* ماهو أخر مطعم أكلت فيه؟
• أسئلة للصور الإنشائية ـ ص ن :
• هل يمكنك أن تتصور قطاً يلبيس نظارة ؟
• تصور طائراً‌ يطير بجناح واحد؟
• تخيل وجه هارون الرشيد ؟
• أسئلة سمع داخلي من الذاكرةـ س د:
• ماذا قال لك آخر صديق لقيته؟
• كيف يشرح معلم الجغرافيا درسه؟
• تذكر صوت موسيقى معينة تعرفها؟
• أسئلة سمع داخلي إنشائي ـ س ن :
• تخيل صوت الشاعر امرئ القيس وهو يلقى قصيدة:
• تخيل أنك تستمع إلى السطان عبد الحميد.
• تخيل أصوات الأسود تزأر في غابات أفريقيا.
• أسئلة سمع داخلي ذاتي ـ س د :
• حدث نفسك بحديث معين.
• اقرأ سورة الفاتحة في داخل نفسك.
• ماهي نبرة صوتك عندما تتحدث إلى نفسك؟
• أسئلة إحساس داخلي ـ ح د:
• كيف يكون شعورك عندما تضع إصبعك في ماء ساخن؟
• ما هو ملمس مقعد سيارتك ؟
• ما هو شعورك إذا لبست جوارب مبللة؟
وبهذه الطريقة يمكنك معرفة إرشادات الوصول العينية لجليسك.
بعد ذلك يمكنه أن يقوم هو بتوجيه الأسئلة إليك لمعرفة إشارات الوصول العينية لك، لأنك لا تستطيع معرفتها بنفسك. ومن التجارب النافعة أن تطلب من جليسك أن يختار أحد الأنماط الستة ليدخل فيها دون أن يخبرك ما هو.
فتقوم أنت بالتعرف على النمط الذي هو فيه من حركة عينيه. فتقول له كنت تتذكر مشهداً مربك، أو كنت تتكلم مع نفسك، أو كنت تحس بمشاعر معينة.
الأنماط الغالبة
لكل شخص نمط يغلب عليه. فنقول: إن النمط الغالب Dominant or Preferred Mode على تفكير الشخص الفلاني هو النمط الصوري (ص)، أو السمعي(س)، أو الحسي(ح). هل يمكنك أن تتوقع ما هو النمط الغالب على ذهن الرسام؟ أو الشاعر؟ أو الموسيقى؟ أو الرياضي؟ هل رأيت مشهداً لزوج وزوجته يتجادلان دون أن يكون بينهما تفاهم؟ فهو يقول لها، مثلاً: جلبت بدلة جميلة، وسوارا ثميناً، و... وهي تقول له: لم أسمع منك (كلمة) تعبر بها عن مشاعرك تجاهي... لم تشكرين على رعايتي للبيت والأولاد.... إن نمط تفكير الرجل هو صوري، ونمط تفكير المرأة هو سمعي، فهي تريد أن تسمع كلاماً من زوجها، لا أن تنظر إلى الفساتين. وكان يمكن لهذا الرجل أن يرضى زوجته بكلمات قليلة ويوفر عليه ثمن البدلات والأساور‍ ‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
وفي الطرف الآخر رجل يعاني من مشكلة الجدل مع زوجته، وهو يردد باستمرار: يا حبيبتي، يا عيني، يا روحي، أنا أحبك... وهي تقول له: أجد منك إلا (الكلام)، فلم تشتر لي فستاناً، ولم تجلب لي هدية جميلة، ولم تأخذني إلى شاطئ البحر... إن النمط الغالب على تفكير هذه الزوجة هو النمط الصوري، بينما يغلب على زوجها النمط السمعي.
وإذا كنت أعزباً فربما يكون من المفيد أن تتعرف على نمط تفكير خطيبتك لتأخذ الاحتياجات اللازمة، وترضيها بما يتناسب مع النمط الغالب على تفكيرها!
ويمكنك أن تتخيل حالات مشابهة للحوار بين مدير الشركة وأحد موظفيه، أو بين طبيب ومريضه، أو بين مدرس وتلميذه، أو بين بائع ومشتر، أو بين طرفي تفاوض، أو غير ذلك.
[justify]